فلسطين المحتلة - شبكة قُدس: قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب اليوم الأحد، واحدة من أبشع المذابح بحق مدنيين مجوّعين من منتظري المساعدات شمالي قطاع غزة، بعدما أمرهم بالتقدّم ورفع أيديهم في إشارة استسلام صريحة، ودون أن يشكّلوا أي تهديد، ثم فتح النار عليهم مباشرة، ما أسفر عن استشهاد 79 شخصًا وإصابة العشرات.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي أنه وثق فتح جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على المدنيين لحظة اقترابهم من طريق مرور شاحنات المساعدات شمالي مدينة غزة، في جريمة قتل عمد لا يبررها أي اعتبار عسكري، وتعكس مستوى غير مسبوق من الوحشية ضمن جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة بهدف القضاء على السكان عبر سلسلة من الجرائم، بما في ذلك القتل المتعمّد، والتجويع، والتهجير القسري.
وذكر المرصد، أنه جمع معلومات تفيد بأن آلاف المدنيين الذين دفعهم الجوع واليأس بعد نفاد الدقيق بالكامل لأيام متتالية توجهوا في وقت مبكر من صباح اليوم الأحد إلى منطقة "الواحة" شمال غرب مدينة غزة، بعد تداول أنباء عن وصول شاحنات محمّلة بالدقيق والمساعدات من جهة "معبر زيكيم"، في محاولة يائسة لتأمين الحد الأدنى من الغذاء لأطفالهم وعائلاتهم.
وبحسب توثيق فريق الأورومتوسطي، عند وصول المجموعات الأولى من المدنيين إلى المنطقة، كانت دبابات جيش الاحتلال متمركزة هناك، وسرعان ما صدرت أوامر مباشرة من قوات الاحتلال عبر مكبّرات الصوت تقول: "ارفعوا أيديكم ومرّوا من أمام الدبابات، من يريد دقيقًا فليتقدّم".
وأشار إلى أنه استجاب نحو 200 شخص للنداء وتقدّموا باتجاه الشاحنات التي قيل إنها تحمل أكياس الدقيق، لكنهم ما أن اقتربوا منها حتى فتح الجنود نيرانهم الكثيفة مباشرة نحو رؤوسهم، ليرتقي العشرات منهم شهداء في مكانهم، فيما حاول آخرون الزحف والفرار جرحى. وأسفرت المذبحة عن استشهاد 79 مدنيًا وإصابة أكثر من 520 آخرين، بينهم حالات بالغة الخطورة.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن 6 فلسطينيين آخرين من المدنيين المجوّعين قُتلوا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي قرب نقطة توزيع مساعدات تديرها مؤسسة "غزة الإنسانية" في مدينة رفح، أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء في ظل الجوع المتفاقم وانعدام سبل البقاء.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن هذه التطورات التي تتزامن مع بلوغ التجويع ذروته في قطاع غزة، وتسجيل وفيات موثقة جراء سوء التغذية، ونقل العشرات إلى المستشفيات بفعل الإجهاد ونقص الغذاء، تؤكد أن "إسرائيل" تستخدم المساعدات ونقاط توزيعها كمصائد موت تُستدرج إليها الحشود المجوّعة عمدًا، ضمن منظومة متكاملة من القتل المتعمّد والحرمان المنهجي والإذلال الجماعي، في انتهاك غير مسبوق لأحكام القانون الدولي.
وشدد على أنّ ما يجري من استهداف متعمد للمدنيين الفلسطينيين، من خلال القتل والإصابة أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء، إلى جانب استخدام التجويع سلاحًا، يُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي، وجرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي، بما في ذلك القتل العمد، واستهداف المدنيين، واستخدام التجويع كوسيلة حرب، وهي أفعال محظورة على وجه القطع في النزاعات المسلحة.
وأشار إلى أنّ نمط هذه الانتهاكات، بما يشمله من طابع واسع النطاق وتكرار منهجي ضد السكان المدنيين، يُحقق أركان الجرائم ضد الإنسانية، ولا سيّما جرائم القتل، والاضطهاد، والأفعال اللاإنسانية التي تتسبب في معاناة شديدة أو إصابات جسدية أو عقلية جسيمة، كونها ارتُكبت في سياق هجوم واسع أو منهجي موجه ضد السكان المدنيين.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ وضع هذه الجرائم في سياقها الأوسع، بما في ذلك التدمير المنهجي لمقومات البقاء، ومنع وصول المساعدات، وفرض ظروف معيشية مميتة على السكان المدنيين، إلى جانب التصريحات العلنية الصادرة عن مختلف المستويات السياسية والعسكرية لدى الاحتلال يكشف عن نية واضحة ومعلنة لتدمير السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، ما يُشكّل، وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، جريمة إبادة جماعية، وتحديدًا من خلال القتل المتعمد لأفراد الجماعة، وفرض ظروف حياة يُراد بها إهلاكها كليًا أو جزئيًا.
كما شدد الأورومتوسطي على أن المجتمع الدولي والحكومات المتواطئة يتحملون المسؤولية عن استمرار الجرائم المروعة ضد المدنيين المُجوعين أمام نقاط توزيع المساعدات التي تديرها المؤسسة في قطاع غزة، مطالبًا بوقف عملها فورًا وفتح تحقيق دولي مستقل يُفضي إلى ملاحقة مسؤوليها أمام المحاكم الدولية والوطنية، لتورطهم في عمليات قتل جماعي منهجية داخل مواقع توزيع تُديرها مؤسسة إجرامية فرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقوة كبديل عن الآلية الأممية التي كانت سارية في القطاع لمدة عام ونصف تقريبًا.
وطالب المرصد الأورومتوسطي بفتح تحقيقات دولية مستقلة وشاملة في الدور الذي تؤديه ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" في تسهيل وتنفيذ الجرائم الجسيمة المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين، بما يشمل المسؤولية الفردية للمؤسسين، والمديرين، ومنسقي اللوجستيات، وقادة الفرق، وأيّ من العاملين في المؤسسة، سواء من خلال التخطيط، أو التسهيل، أو الإسهام المباشر، أو حتى الامتناع الواعي عن الحيلولة دون ارتكاب الجرائم.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على "إسرائيل" بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانون الدولي، بما يشمل حظر شامل لتصدير الأسلحة إليها أو قطع الغيار أو البرمجيات أو المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، أو شرائها منها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي والأمني المقدمة لإسرائيل فورًا، بما في ذلك تجميد الأصول المالية للمسؤولين السياسيين والعسكريين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، وفرض حظر على سفرهم، وتعليق عمل شركات الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في الأسواق الدولية، وتجميد أصولها في المصارف الدولية، إضافة إلى تعليق الامتيازات التجارية والجمركية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تُسهِم في تمكينها من مواصلة ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.